#شخصية_من_ريمة رقم الشخصية ( 18 )
قمر الصالحين وشيخ المكاشفين وذروة أهل البسط الولي الكبيرمسجد السيد محمد بن عمر النهاري في رباط النهاري
الجزء الاول
صاحب الرباط الشهير بريمة والمتوفى سنة (747هـ -1346م)
قال الخزرجي :المشهور صاحب الكرامات المشهورة والمقامات المذكورة وكان أوحد أهل زمانه علماً وعملاً وأجمع الناس على صلاحه وزهده وقلما وصله زائر إلا خاطبه باسمه واسم أبيه واسم بلاده وأين مسكنه منها.
تشغفني سيرة النهاري باختلافها في جوانب كثيرة عن سير الأولياء وشيوخ التصوف ، هو يجتمع مع الكثير منهم في الرسوم العامة ، كما أنه يشبه آخرين مثل الأهدل والحكمي والعقيلي والبجلي وعجيل وحشيبر والهتار من حيث كونه مؤسس أسرة علمية وصوفية كبيرة تمددت على مساحات جغرافية شاسعة وتركت بصماتها في كل مكان وصلت إليه ، وتناسل منها عشرات العلماء والأولياء والشعراء والكتاب والوجهاء ، لكنه في ذاته يختلف ، فهو أكثر الأولياء وضوحاً وتجلياً واتصافاً بما منحه الله له .
كان في بداية أمره من كبار رجال الطريقة الغيثية فجده موسى من أصحاب شمس الشموس أبي الغيث بن جميل وخرقتهم تعود إليه ، لكنه بعد أن ذاع صيته واتسعت شهرت وكثر أتباعه في تهامة وريمة ووصاب وبرع وحراز وتعز وإب صارت له طريقة تنسب إليه هي الطريقة النهارية .
إلى جانب ذلك كان النهاري سيفاً مسلطاً على النافذين المتسلطين وقد أورد المؤرخون حكايات كثيرة عن مقارعاته للسلاطين والأمراء من أجل الفقراء والضعفاء والمساكين ، وهو في هذا الجانب يجمع بين مقارعة الظلم وأخلاق العناية ، ذات مرة اغتاظ أحد الظلمة من حمايته لأحد المستضعفين فكتب إليه يتوعده ، فرد النهاري بكتاب بليغ يقول فيه : ما تري إلا وأنت بأول النحل، وآخر صاد، يشير إلى قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} وإلى قوله في آخر صاد: {ولتعلمن نبأه بعد حين} أعقب ذلك بقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثير النقع موعدها كداء
ثم قال لبعض أصحاب ذلك الشيخ الظالم: أعلم صاحبك أن الهلاك نازل به بيقين .
وخلال أيام كان الظالم قد مات.
وكانت بينه وبين السلطان المجاهد الرسولي مكاتبات كثيرة ، كلها شفاعات للناس وسعي لرفع الحيف عنهم ، وكان السلطان المجاهد يعتقد صلاحه ويخاف دعاءه عليه . وذات مرة اصطدم بالسلطان لأجل أحد المواطنين فكتب له السلطان : يا نهاري فلِّت غلماننا فليس لهم شفقة إلا أبوابنا.
فردّ النهاري: من فقير العزيز الباري محمد بن عمر النهاري، إلى السلطان :خلي لنا قدحنا، نخلي لك طاستك، ومن كافا شعير الناس كافى الناس بره، والذليل من يفلّت صاحبه، يا أبا عربدان، هذا الفرس وهذا الميدان، يا صاحب الطرفين، لا يفوتك الوسط، ضمناك يا ابن سهيل(اسم الرجل المستجير به) حيَّاً وميتاً، ضمان عنب في كرمه لا ينقص ولا ينهمس .
فلما وصل الكتاب إلى السلطان المجاهد قال لوزيره :ما تقول في هذا؟
أجاب الوزير : القول قول الملك.
فقال السلطان: لولا أنه فاعله، ما كان قائله، جوب له على لساني
وكان يريد أن يتوعد النهاري والمستجير به لكن الكاتب عجز عن الكتابة ، الأمر الذي اضطر السلطان إلى التراجع وأملى رسالة يصفح فيها عن المواطن المستجير بالنهاري وأثناء ماكان يكتب التفت النهاري للرجل المسكين يبشره قائلاً : جوب لك الساعة ، خرج كتابك من بعد الحين، ويأتيك غداً مثل ذلحين.
مئذنة جامع النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |
مئذنة جامع النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |
مئذنة جامع النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |
رواية القصة بقلم د.عبدالودود مقشر
أستاذ التاريخ بجامعة الحديدة
أي قوة كانت يتكأ عليها العالم الرباني النهاري في خطابه للملك المجاهد؟؟
أرسل السلطان الرسولي المجاهد علي بن المؤيد داود ( 721 – 764 هـ ) إلى العالم الذي لقبه السخاوي بفقيه اليمن محمد بن عمر بن موسى النهاري والمعروف بقمر الصالحين والمقيم في رباطه بجبل قعار في ريمة وكان هذا الرباط مدرسة علمية وروحية وملجأ لكل طالب حق او مستجير بهذا العلامة الرباني، أرسل السلطان إليه أن فلان لجأ إليك فسلمه لنا فكتب النهاري بعزّة وشموخ :- " من الشاكر لله محمد بن عمر بن موسى النهاري إلى السلطان الأصغر المسمى الملك المجاهد، إن خليت لنا قدّحنا خلينا لك طاستك، وإن كسرت قدحنا كسرنا طاستك، ومن كفى شرّ الناس كفى الناس شره، ومن كفى شعير الناس كفى الناس برّه، والذليل من يغلب صاحبه، ومن لم يصدّق يجرب، فيا عزيز هذا ذا الفرس والميدان " فصمت السلطان، وعفا عن المطلوب، فأي قوة اعتمد عليها النهاري سوى قوله :- فتّشت قلبي فلم أجد فيه غير الله .... انتهى كلامه
وقد قدر الناس صفوةً وعامةً مكانة النهاري فعبر عن ذلك المؤرخون بعبارات عظيمة حتى أنهم قالوا إن الخضر هو من لقبه (قمر الصالحين) ، وتبارى الشعراء في مدحه أثناء حياته وبعد مماته ، ومن أشهر مداحه الشاعر الأشهر عبد الرحيم البرعي الذي مدحه بقصيدة مطلعها :
راحَ الزَمان وَلا علم عَن العلم .. وَلا سَلام عَلى سَلمى بذي سلم
باتَت تقسم قَلبي نية وقفت قَلبي ... عَلى الجيرة الغادين عَن اضم.
ويقول منها :
وَفي قعار جناب ما نزلت له ..الا أَمنت أَمان الصيد في الحرم
أَلوذ بالمشهد المَحروس منتصرا ..كأَنَّني منه في ركن وَملتزم
حيث الجَلالَة مضروب سرادقها ..وَالنور مبتسم يجلو دجى الظلم
اللَه أَكبر ذا الطود المنيف ذراً ..ذا العالم العلم ابن العالم العلم
هَذا النهاري الَّذي في ضمن تربته ..حج وَمُعتَمِر للأَنيق الرسم
ذا البدر ذا القطر ذا البحر المحيط غنى ..زاكي المناصب سامي القدر والهمم
هَذا محمد السامي فَتى عمر ..لب اللباب ابن أم الجود وَالكرم
ذا الكامل الفاضل الفياض نائله ..غوث العَشائر غيث الخير وَالنعم
ذا الأبلج المتقى من أمة وسط .. مخاطبين بكنتم خير في القدم
أَغر كالشمس لا يَخفى عَلى أَحد ..الاعلى أَحدعما يَراه عمي
لَو صور الخلق من قول ومن كلم ..لكان معنى لمعنى القول وَالكلم
وإن يكن بشراً من قوم اِشتَبَهوا...خلقا فَما صفر كالأشهر الحرم
إلى آخر تلك القصيدة الطويلة التي لا تدري من جمالها وروعة معانيها وكثرة ماورد فيها من مآثر النهاري ماذا تأخذ منها وماذا تدع.
كل كلام النهاري كان على طريق البسط، والبسط حال رجاء وتأنيس دائم بعكس القبض الذي هو حال خوف وانكماش دائم ، ويعد النهاري أكثر أولياء وعلماء اليمن الذين تمدنا المدونات التاريخية ، بنصوص إبداعية لهم على اللهجة التهامية ، فقد تميزت عباراته بخفة الدم (هذا المقصود بالبسط)، وجمال الكناية ، وقوة إصابة الهدف ، وما أجمل تعبيره عن بني المقرصي وكانوا صلحاء مستوري الصلاح ، فقد أجاب السائل بقوله : بنو المقرصي فَراقِيصُ مدَفَّنه ، وهو تعبير مذهل ، فالفراقيص (الحبحب) كانت تزرع بين الدخن والذرة في تهامة ، وحين يبدأ الدّبّا يتعرض لهجمات الغربان والثعالب ، وحتى السرقة من قبل جامعي العلف كان الرعوي يقوم بدفن الدبا (الجرو ) الصغير فيكبر وينضج مدفوناً ، ثم حين يزكو يكون له طعم كالعسل ، وقد كنا نفعل ذلك حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ، فعبارة النهاري ، في هذا السياق عبارة تقع في القمة من جمال الكناية
طبعا دُوّن كلام النهاري في كتاب يقول ذلك كل من ترجموا له ويقولون إنه (محفوط عند أصحابه مدون، غالبه ملحون على لغة أهل بلده) . لكنا مع الأسف الشديد لم نظفر حتى اللحظة بمدونته ، وليس بين أيدينا إلا هذه الشذرات من مما جادت به المصادر التاريخية علينا .
-1-
- الدنيا مدينتي، وجبل قاف حصني، ومحضري من الفرش إلى العرش، والدليل على ذلك أني أنبئ الناس بأسمائهم وأنسابهم ومساكنهم، وما حوتهم قلوبهم، ومن صحبني وصحبته أمن من الفزع الأكبر، وأنا فقير حقير لا زرع ولا ضرع، الماء والمحراب، والرزق على الوهاب،لا العشاء على بني حديد، ولا الغداء على بني خطاب، صوفي صافي، مرابط وافي، اللهم خلصنا من المدر، وصفنا من الكدر، وأنت عنا راض غير غضبان، يا ملك يا ديان، اللهم اجعل هذه الأيادي واصلة، متصلة بحبلك المتين، وحصنك المنيع، واجعل هذه الإخوة والصحبة {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} اللهم من كادنا فكده، ومن تعدى علينا فاهلكه، واحمنا بحمايتك،. لا حامي ولا ضائر لنا سواك بذرنا حبيبات وعليك النبات اللهم نبّت ثبت.
-2-
- ومن كلامه: من قال لك قل له، ومن رشك بله، ومن رماك بكدره، ارمه بحجره
نجيب الصوت إذا نادى المنادي
ونضرب بالقضيب روس الأعادي
إذا لم تجدني عند قرصي فكله، يا برعي تبرع، ما شجاع في النار ولا جبان في الجنة، والذليل من يغلب صاحبه، أنتم من ثماك، ونحن من هناك، يا صاحب الطرفين لا يروح الوسط، لا تولِّ وترسك ما ضرب، وبدنك سلم ما به جراح.
😚
- وكان يقول: وحق الحق ومن سمى نفسه الحق، أن صاحب الحوض وعدني بحوض أشرب منه، وأسقي من أحب، ونحن بين الروضة والمنبر، ومن صحبني وصحبته كانت نسمته بين كفي.
-4-
- ومن كلامه المسجع قوله:
ألا يا صاحب اللهج خل اللهج مفتوح
أنا شانظر حبيبي سويعه قبل ما روح
فنظره من حبيبي ترد العقل والروح
-5-
- ومن ذلك قوله أيضاً:
سمعت الناس في رنه يقولوا باكر العيدِ
وعيد الناس دنياهم وعيدي أنت يا سيدي
-6-
- ومن ذلك قوله:
ألا سيفي وترسي لي مظله
ولي بالحرب جوده الله الله
-7-
ومن جمله الشهيرة حين هددوه بسلب أحواله:
أتانا ابن عثمان ليأخذ ما أعطاه الرحمن
-8-
كلما بعد الكبش كان أقوى للنطاح
بقلم المؤرخ الدكتور حيدر علي ناجي العزي
الجزء الثاني
ضريح النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |
جامع النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |
جامع النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |
جامع النهاري برباطه في قعار ريمة عدسة د.عبدالودود مقشر |